علي العلياني- من الصحافة إلى الشاشة.. جرأة صنعت وعياً جديداً

المؤلف: خالد الجارالله09.12.2025
علي العلياني- من الصحافة إلى الشاشة.. جرأة صنعت وعياً جديداً

في عصرٍ تتسم فيه البرامج الحوارية بالملل والروتين، وتتجنب الخوض في المسائل الشائكة والمعقدة، انطلق الزميل علي العلياني خارج نطاق المألوف، ولم يكتفِ بتحطيم القيود، بل ابتكر أسلوباً فريداً، يذيب فيه الجمود لصالح الإثارة الهادفة، والجرأة المسؤولة.

أعرف علي العلياني منذ عقدين من الزمن، تجمعني به علاقة زمالة عمل وصداقة عمر ومودة صادقة، وبناءً على ذلك، فإن رأيي فيه لا يشوبه التحيز أو الميل العاطفي، بل هو تأكيد على إنجازاته الملموسة على مر السنين، حيث بذل جهوداً مضنية في مجال الصحافة وكان له فيها بصمات واضحة.

العلياني، الذي نشأ في بيئة صحفية، لم تغره الأضواء والشهرة بقدر ما أسره التأثير الإيجابي من خلالها. لذا، دخل عالم التلفزيون من باب الوعي والإدراك، لا من أجل النجومية، متسلحاً بمهارات الصحفي الميداني؛ عين فاحصة ترصد التفاصيل الخفية، ولسان جريء لا يتردد في التعبير، وعقل متفتح لا يخشى طرح الأسئلة الصعبة.

في برامجه مثل «يا هلا» و«معالي المواطن»، لم يقتصر دور العلياني على تقديم البرنامج، بل تقمص دور المحرر السياسي، والمحقق الاجتماعي، والمفكر الناقد. لم يكن مجرد وسيط بين الضيف والجمهور، بل كان جزءاً لا يتجزأ من الحوار نفسه؛ يطرح الأسئلة، يصر على الإجابات، يراجع المعلومات، ويكشف الحقائق المخفية. كان يجمع بين الحماس والمهنية، وبين احترام الضيف ومساءلته، وهو توازن دقيق لم ينجح فيه الكثيرون.

لقد تعودنا على صوته المسموع وحضوره المتميز لسنوات طويلة، ونشعر بالتقصير لفقدان هذا الحضور الذي نفتقده بشدة.

لكن علي العلياني، في تمرده الهادف، يحمل في طياته تناقضاً ظاهراً: فقد أصبح هو نفسه رمزاً لنمط تقليدي جديد، بمعنى أن أسلوبه "الجريء" قد أصبح مثالاً يحتذى به. وهذا يثير تساؤلاً هاماً: هل يمكن للتمرد أن يظل تمرداً عندما يتحول إلى مدرسة يتعلم منها الآخرون؟

يبقى أن ما قدمه العلياني في الساحة الإعلامية السعودية ليس مجرد حدث عابر، بل هو تأسيس لوعي جديد بأهمية الحوار، حيث لا تكفي الابتسامة لإخفاء السؤال الحاد، ولا يغني اللطف عن قول الحقيقة، فالرجل أتى من عالم الصحافة، واستقر في عالم الشاشة، وبنى له اسماً لامعاً في وسط ضجيج الإعلام، لا بالصخب والضوضاء، بل بالمهارة والإتقان.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة